1. الرئيسية
  2. /
  3. الدروس
  4. /
  5. الدرس الثالث والعشرون

الموضوع: بحث الأصول – مبحث الصحيح والأعم –  أدلة الصحيح والأعم .

خلاصة القول في الأدلة التي أقاموها للقول بالصحيح أنها لا تفيد أكثر من الصحيح الاقتضائي، لا أنه في تلك الأدلة تدل على الصحيح الفعلي من كل حيثية وجهة ليصير ذلك مقابلاً للأعم، بل المستفاد من جميعها الصحيح الاقتضائي والصحيح الاقتضائي يناسب الأعم بلا إشكال.

وأما الأدلة التي أقاموها للقول بالأعم فهي أمور: –

الأمر الأول: – التبادر وعدم صحة الشرط، قالوا بأنه مهما أطلق مثل الصلاة والصوم ونحوهما من العبادات يتبادر منها الأعم من الصحيح والأعم، كما أنه في جميع الأوضاع البشرية الذي يضعون الألفاظ لمعانٍ خاصة يتبادر من تلك الألفاظ المعاني الأعم من الصحيح والأعم، كالسيارة والطيارة والسفينة ونحو وذلك مما حدثت في ما قارب هذه الأعصار، فإذا أطلقت هذه الألفاظ في المحاورات يتبادر منها الأعم من الصحيح والأعم.

واستدلوا أيضاً بعدم صحة الشرط: – فإنا نرى بالوجدان أن من يصلي فاسداً ويصوم فاسداً ليس لنا أن نطلق الصوم على الصوم الفاسد والصلاة الفاسدة بل نقول صوم فاسد وصلاة فاسدة، فتبادر الأعم وعدم صحة فرض هذه المعاني على الأعم دليل على الوضع للأعم.

وأشكل على هذا الدليل بقسميه: – إن هذا متوقف على تصوير الجامع بين افراد الأعم والجامع غير متصور فأصل هذا الدليل ساقط من أصله.

وهذا الاشكال لا وجه له أصلاً لما اثبتناه من تصوير الجامع بين الصحيح والأعم: – فالجامع الماهوي موجود والجامع الوجودي أيضاً معتبرٌ، فالدليل تام، فليس لنا أن نناقش الأعم من التبادر وعدم صحة الفرض لكونهما موافقاً للمحاورات وموافقاً للوجدان، فإذا صلينا صلاة فاسدة أو صمنا صوماً فاسداً نقول بوجداننا أنا صلينا صلاة فاسدة وصمنا صوماً فاسداً لا أن تكون تلك الحقيقة التي صدرت منا في ظرف الفساد غير الحقيقة المعهودة في الشريعة بل هي عين تلك الحقيقة لكنها فاسدة، فهذا الدليل صحيح ولا إشكال فيه.

الدليل الثالث: – صحة التقسيم إلى الصحيح والسقيم.

فإننا نرى بالوجدان أنه يصح لنا أن نقول الصلاة إما صحيحة أو فاسدة والصوم إما صحيح أو فاسد والحج إما صحيح أو فاسد إلى غير ذلك، وقد وضع فقاء الفريقين للصلوات الفاسدة والعبادات الفاسدة أبواباً في كتبهم الفقهية، فلو صلّى في الغصب فلاته باطلة، ولو صلّى فيما لا يؤكل لحمه فصلاته باطلة، ولو صلّى مع الحرير والذهب فصلاته باطل، ولو صلّى أو صام رياءً فالصلاة والصوم باطل، فنرى أنه يصح تقسيم جميع هذه العبادات إلى الصحيح والأعم، والتقسيم علامة للحقيقة، لأنه لابد وأن يكون المقسَم موجوداً في جميع الأقسام، فلو فرض أنَّه تحقق تقسيم ولم يتحقق المقسَم في الأقسام فأصل هذا التقسيم ساقط وباطل، فلابد وأن تكون حقيقة الصلاتية موجود في الصحيح وموجودة في الفاسد، فالتقسيم إلى الصحيح والفاسد عبارة عن الوضع  للأعم.

وهذا الدليل حسنٌ وتام ولا مناقشة فيه.

ولكن نوقش في هذا الدليل: – بأن هذا التفسير بلحاظ الاستعمال لا بلحاظ الواقع، وقد قرّر في الكفاية هذا الاشكال أيضاً وقال: – ليس هذا التقسيم بحسب الواقع بل هو تقسيم استعمالي لا أنه يكون تقسيماً واقعياً.

وهذا الاشكال باطل وساقط من أصله: – لأنَّ نسبة المقسم إلى الأقسام كنسبة الطبيعي إلى الأفراد، فكما أنَّ الطبيعي لابد أن كون في الأفراد فالمقسم أيضاً لابد وأن يتحقق في الأفراد، فإذاً هذا الدليل بالنسبة إلى الأعم صحيح لا إشكال فيه، والتقسيم تقسيم حقيقي لا أنه تقسيم صورياً ومجازياً، والتقسيم الحقيقي عبارة عن تحقق المقسم في جميع الأقسام كتحقق الطبيعي في جميع الأقسام.

الدليل الثالث: – جملة من الروايات الكثيرة التي أطلق فيها لفظ الصلاة على الصلاة الفاسدة، فعن أبي عبد الله عليه السلام: – ( المرأة تدع الصلاة مادامت ترى الدم ) فأطلق عليه السلام الصلاة على صلاة الحائض مع أنَّ صلاتها باطلة نصوصاً مستفيضة وبإجماع الفريقين، وروى العامة في صحاحهم عن نبينا الأعظم صلى الله وعليه وآله وسلم أنه قال لنسائه ( تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة مادام الحيض )، فأطلق صلى الله عليه وآله وسلم الصوم والصلاة على ما هو باطل، وهذه الأخبار التي هي إما مستفيضة أو متواترة معنىً تدل على اطلاق هذه الألفاظ – ألفاظ العبادات – على الفاسد، وهو أيضاً موافق لكلام المتشرعين والمتشرعات حيث يقولون صلاة الحائض باطلة وصوم الحائض باطلة.

هذا الدليل صحيحٌ ولا إشكال فيه.

قد اشكلوا على هذا الدليل: – بأنَّ هذا بالنسبة إلى الاستعمال والاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز، فلا يثبت بهذه الأخبار الحقيقة لأنَّ الاستعمال أعم من الحقيقة والمجاز.

وهذا الاشكال أيضاً ساقط من أصله: – لأنَّ المستدل يستدل بالظهور العرفي المحاوري بأنَّ هذه الأخبار ظاهرةٌ عرفاً ومحاورةً في استعمال الصلاة في الفاسد، فتكون هذه الاستعمالات في الشريعة أعم من الصحيح والأعم، فالظهور العرفي المحاوري حجّةٌ معتبرةٌ سواء كان بنحو الحقيقة أو بنحو المجاوز، فالأعم بحسب هذه النصوص أنها تدل على أنَّ هذه الألفاظ تستعمل في الفاسد أيضاً فتكون استعمالات الشارع أعم من الحقيقة والمجاز، فإذاً هذا الدليل تام ولا شبهة فيه.

فتلخص أنَّ الأدلة التي استدلوا بها على الأعم غير قابلة للمناقشة، وأما المناقشات التي أوردوها عليها فهي مندفعة، فالأدلة التي استدلوا بها للصحيح غايتها الصحيح الاقتضائي، والصحيح الاقتضائي يتآلف مع الأعم كما أنَّ الأعم يتآلف مع الصحيح الاقتضائي، فمجمع أدلة الفريقين من صحيحيهم وأعمّيهم إلى شيءٍ واحد، وهو أنَّ مفاد جميع تلك الأدلة الصحيح الاقتضائي، وهو موافق للعرف والعقلاء.

ثم إنه يقع البحث في ثمرة هذا البحث الطويل العريض: – أي هل لبحث الصحيح والأعم ثمرة عملية في الفقه أو لا؟

والثمرة العلمية موجودة بلا إشكال: – لأنه بحث علمي تشحذ فيه الأذهان وتوسّع فيه الأنظار.

وأما الثمرة العملية في الفقه:- فقد اتفق محققي الأصوليين قدس الله أسرارهم أنه لا ثمرة عملية لهذا البحث من أوله إلى آخره، لأنهم قالوا إنَّ ثمرة القول بالصحيح تظهر في الرجوع إلى الأصول العملية والاطلاقات والعمومات، فإن قلنا بالوضع للصحيح فالكثير من الاطلاقات تصير مجملة لفرض أنَّ للصحيح مراتب كثيرة ولا نعلم أنَّ المراد بالإطلاقات والعمومات أيَّ مرتبةٍ منها، فليس للفقيه التمسك بالاطلاق والعموم في نفي القيدية والشرطية لفرض صيرورتها مجملة من حيث إجمال المعنى، ولذا ليس لهم التمسك بأصالة البراءة في نفي القيدية والشرطية، لأنَّ المورد بناءً على رأيهم يصير من الشك في المكلف به ومن الشك في المحصِّل، وفي مورد الشك في المحصٍّل وفي المكلف به لابد من الاحتياط لا أن يرجع إلى البراءة، وأما بناءً على الأعم فحيث أنَّ المعنى أعم من الصحيح والفاسد فالإطلاق والعموم ثابت، فيصح لنا التمسك بالإطلاقات والعمومات في نفي القيدية والشرطية، كما يصح لنا التمسك بأصالة البراءة في نفي القيدية والشرطية، لأنَّ الشك على هذا يكون من الشك في التكليف لا من الشك في المكلف به.

هذه غاية جهدهم في تصوير الثمرة العملية لهذا البحث.

وأصل هذه الثمرة ساقطة أيضاً: – أما الرجوع إلى الأصول العملية فقد أثبتنا في مباحث الأصول العملية أنه لا يجوز الرجوع إلى الأصول العملية مطلقاً إلى بعد الفحص واليأس من الظفر بالدليل، لو أجرى أحد أصلاً عملياً قبل الفحص وقبل اليأس عن الظفر بالدليل يكون ساقطاً عند الكل ولا عبرة به عند كل عاقل فضلاً عن الفقهاء، فجميع الأصول العملية من أوّلها إلى آخرها لابد وأن يتفحّص الفقيه في الأدلة ويحصل له الاطمئنان بل العلم بعدم الظفر بالدليل ثم يجري الأصل، وعلى هذا لا فرق بين الصحيح وبين الأعم، فإن تفحّصنا في الأدلة وحصل لنا العلم بعدم وجود دليل من الشارع في البين فسوف نجري أصالة البراءة العقلية والنقلية سواء قلنا بالصحيح أو قلنا الأعم، فإذاً هذه الثمرة ساقطة.

أما الرجوع إلى الاطلاقات والعمومات: – فالإطلاق والعموم على قسمين: –

القسم الأول: – ما إذا كان في مقام أصل التشريع من دون أن يكون في مقام البيان من حيث الخصوصيات والحدود والقيود، فهنا لا يجوز التمسك بمثل هذا الاطلاق لا عند الصحيحي ولا عند الأعمي، بل لا يجوز التمسك به عند العقلاء مطلقاً إلى أن يفحص عن مقيداته ومخصّصاته ثم بعد ذلك يذهب إلى العموم لنفي القيدية أو الشرطية.

القسم الثاني: – ما ورد في مقام بيان تمام القيود والحدود وبحث المجتهد وبذل كمال وسعه في الأدلة فلم يجد في البين مخصّص ولا مقيد فهنا يجوز التمسك بمثل هذا الاطلاق لنفي القدية والشرطية بناءً على الصحيح والأعم.

فأساس هذه الثمرة بالنسبة إلى الأصول العملية وبالنسبة إلى الأصول اللفظية مغالطة بين الأصل العملي المعتبر والأصل العملي غير المعتبر والأصل اللفظي المعتبر والأصل اللفظي غير المعتبر، فالأصل مطلقاً لفظياً كان أو عملياً متقوّمٌ بالفحص في الأدلة واليأس عن الظفر بالدليل ثم يجري الأصل عملياً كان أو لفظياً صحيحياً كانوا أو أعميون، فلا معنى لمثل لهذه الثمرة أصلاً، وقد اتفق على ما قلنا جميع محققي الأصوليين ومنهم مشايخنا قدس الله أسرارهم.

الرئیسیة
السیرة
المکتبة
القائمة
بحث
× Add a menu in "WP Dashboard->Appearance->Menus" and select Display location "WP Bottom Menu"