قالوا:إن موضوع علم الاصول الأدلة الأربعة،إما بوصف الحجية،كما عن بعض،أو بذواتها،كما عن آخر.
و اشكل على الأول:بأنه يلزم أن يكون البحث عن حجية الإجماع و العقل،و ظاهر الكتاب خارجا عن المسائل و داخلا في المبادئ،لكونها بحثا عن ذات الموضوع حينئذ.
و يردّ:بأن ما هو الموضوع إنما هو الأدلة بوصف الحجية الواقعية النفس الأمرية الثابتة لها،و البحث عن حجية الإجماع و العقل و ظاهر الكتاب،بحث عن مقدار الحجية،و كيفيتها،و دفع اعتراض المعترضين عليها،فتكون من المسائل قهرا.
و اشكل على الثاني:بلزوم خروج البحث عن الخبر الواحد،و التعارض و أحكامه عن المسائل،لعدم كونها بحثا عن السنّة،بل بحثا عن الحاكي لها، فيكون من العرض الغريب.
و فيه:أن الخبر الواحد متحد عند الرواة و العلماء،بل المتشرعة من السنة، فيكون عوارض أحدهما عين عوارض الآخر عندهم،فلا وقع للإشكال من هذه الجهة،فيكون بحث خبر الواحد و التعارض و أحكامه من عوارض السنّة.
ثم إنه لا وجه للقول بأن الموضوع هو الأدلة الأربعة،لأن السنّة شارحة للكتاب،و الإجماع و العقل لا موضوعية لهما،بل لا بد فيهما من الكشف عن السنة في الأول،و عدم ثبوت الردع في الثاني.فموضوعه هو الكتاب المشروح بالسنّة أو السنّة الشارحة للكتاب.فيكون تعريفه:أنه ما يقع نتائج البحث عنه في طريق معرفة الوظيفة الشرعية،و لا فرق بين العقل و الشرع إلاّ بما قاله عليه السّلام: «العقل شرع داخلي و الشرع عقل خارجي».
فالعقل الذي هو أصل الحجج الإلهية إذا ظهر في المظاهر الظاهرية يكون شرعا،و الشرع إذا ظهر في مظهر التجرد يكون عقلا،فلا فرق بينهما بحسب الواقع و الحقيقة.
نعم،العقول الجزئية حيث أنها قريبة من الأوهام و الخيالات فلا بد لها من أن تكون تحت سلطة الشرع،حفظا للأحكام من أن يتدخل فيها الأوهام و الخيالات.
ثم إن السيرة العقلائية و بناء العقلاء،الذين يتمسك بهما غالبا في الفقه و الاصول،راجعان إلى دليل العقل الذي لم يردع عنه الشرع.و كذا السيرة العرفية و مرتكزات العرف اللتين يتمسك بهما أيضا،و يمكن الفرق بينهما و بين بناء العقلاء بحسب المتعلّق،لا بحسب الذات.